بقلم جلالة الملك
صحيفة ذا هيل
لا يمكن استمرار الوضع الراهن في الشرق الأوسط
مقالة بقلم جلالة الملك عبدﷲ الثاني
27 نيسان 2010
(مترجم عن الإنجليزية)
سعدت خلال زيارتي الأخيرة لواشنطن بلقاء الرئيس اوباما، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وأعضاء آخرين في مجلسي الشيوخ والنواب.
وعكست لقاءاتنا 60 عاماً من الشراكة الأميركية-الأردنية، فخلال هذه العقود، أسهم الدعم الأميركي في مساعدتنا على مواجهة تحديات تنموية رئيسية، وتعزيز الآفاق التجارية، وخلق الفرص للشباب الأردني، لذا فأنا أتحدث باسم جميع الأردنيين عندما أعبر عن شكرنا لهذه المساعدة.
وقد واجهنا سويا العديد من التحديات المشتركة، وعملنا من أجل ترسيخ الاستقرار العالمي، وحملنا رسالة التسامح والتفاهم، وشراكتنا أقوى من أي وقت مضى، وهي مستمرة في النمو، وعلينا اليوم أن نوظف حسن النية والثقة بيننا لنعيد عملية السلام في الشرق الأوسط إلى الطريق الصحيح.
ذاك أن العقد الماضي لم يشهد أي مفاوضات جدية يمكن أن تؤدي إلى تحقيق السلام، ونتج عن ذلك تراجع لافت في مصداقية العملية السلمية ودعاتها، وفي ضوء عدم إمكانية التعايش مع الوضع الراهن، فإن الجمود الحالي يهدد بانفجار موجة جديدة من العنف سيدفع ثمنها الجميع.
سيشهد الشهر المقبل مرور 62 عاماً على إقامة دولة إسرائيل، بينما سيحيي الفلسطينيون الذكرى الـ 62 لنكران حقوقهم، لكن إسرائيل ليست أقرب اليوم إلى تحقيق الأمن الحقيقي والقبول الذي تطلبه مما كانت عليه منذ 6 عقود خلت، ولا يزال الاحتلال هو الواقع لملايين الفلسطينيين.
أما القدس فهي شرارة اشتعال تهدد بتفجير المنطقة برمتها، وتلهب العواطف على امتداد العالم، فثمة قلق واسع من أن الأماكن المقدسة ومستقبل المقدسيين المسلمين والمسيحيين مهدد، وحال القدس هذه تستفزّ الشعور الديني لبلايين الناس في العالم في ضوء قدسية القدس عند المسلمين والمسيحيين واليهود.
وفي هذه الأثناء، ما يزال بناء المستوطنات الإسرائيلية يلتهم أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية، ويقوض السبيل الوحيد لحل للصراع، والمتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل.
وعلى جانبي الأطلنطي، هناك أصوات تقول بعدم إمكانية حل الصراع، وهذه أصوات لا يجوز أن تسود.
فبديل الحل هو تجدّد الصراع على جبهات مختلفة.
ولا شيء سوى إعادة الأمل من خلال التقدم نحو التسوية النهائية سيكون قادرا على حماية المنطقة من الانزلاق إلى هاوية الحرب.
وتمتلك الولايات المتحدة الأميركية القدرة على قيادة جهود السلام لتغيير الوضع الراهن، ذاك أن شعوب المنطقة، الإسرائيليون والعرب على حد سواء، ما يزالون ينشدون السلام، ويعتبرون الولايات المتحدة القوّة الوحيدة القادرة على جمع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات.
ونحن في المنطقة نعرف مدى التزام الرئيس اوباما بتحقيق سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط، وقد أكد إعلانه أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين جزء من الأمن القومي الأميركي مدى إدراك الولايات المتحدة للأثر البالغ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مصداقيتها وعلى دورها القيادي في العالم.
ويتضح ترابط الصراع بالمصالح القومية الأميركية أيضاً من حقيقة أن الجماعات الإرهابية، التي تبثّ الكراهية لأميركا وتستهدف المصالح والأرواح الأميركية في المنطقة وخارجها، تستغل القضية الفلسطينية، وتوظف الإحباط المشروع الذي يشعر به العرب والمسلمون بسبب الفشل في حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في خدمةً أجنداتها الإجرامية وغير المشروعة، ومن أجل الترويج للمشاعر المعادية للولايات المتحدة، التي تحارب التطرّف والإرهاب على أكثر من جبهة، وبالتالي، فإن حل الصراع سيحد بشكل كبير من قدرة هذه المجموعات على حشد التأييد لها ولمواقفها.
سيستمر الأردن في العمل من أجل إيجاد الأطر اللازمة لانخراط أميركي فاعل في جهود السلام، فنحن ما نزال نتحمل مسؤولياتنا تجاه السلام، وما فتئنا نعمل مع الولايات المتحدة بشكل مكثف من أجل بناء المؤسسات والعلاقات والأطر الكفيلة بتحقيق التقدم في العملية السلمية.
وفي موقف موحد بين جميع الدول العربية، يقف الأردن خلف مبادرة السلام العربية التي تطرح المفاوضات من أجل التوصل إلى حل الدولتين، الذي سيضمن أيضا مستقبل إسرائيل، وهذا موقف تدعمه 57 دولة مسلمة، أي ثلث الأمم المتحدة، تؤيد المبادرة.
وإلى أن تتمكن الولايات المتحدة من وضع كل ثقلها خلف جهود استئناف المفاوضات، فإنني أرى دورين رئيسيين لأصدقاء السلام في أميركا، ويتمثّل الأول في مساعدة الجانبين على تجاوز نقاط الخلاف، بينما يكمن الثاني في مساعدة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على التركيز على مستقبلهم خلال السنوات العشرة المقبلة: على السلام والأمن والازدهار الذي ينشدون لأنفسهم ولأبنائهم، وفي بذل كل الجهود اللازمة لتحقيق ذلك.
وتركز الجهود الأميركية حالياً على إطلاق مفاوضات تقريبية غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد دعمت الجامعة العربية إجراء هذه المحادثات، التي نشجع الأطراف على إطلاقها جسرا للانتقال عبره سريعا إلى مفاوضات مباشرة وجادة وفاعلة توصل إلى الحل النهائي بأسرع وقت ممكن، بيد أن الحقيقة هي أنه لن يتمكن الأطراف من تحقيق هذا الحل بمفردهم، ما يستوجب أن تطرح الولايات المتحدة خلال المفاوضات مقترحاتها الخاصّة القادرة على تحقيق التقدم.
الوقت ليس في صالحنا، وآن وقت تجاوز النظرات قصيرة المدى والعمل من أجل مستقبل ينعم فيه الفلسطينيون والإسرائيليون بالسلام والأمن، فالوجهة النهائية واضحة، لكن الرحلة نحوها استنفذت زمنا أطول بكثير مما يجب وتسببت بمعاناة كبيرة ما كان يجوز أن تتحملها شعوب المنطقة، إلا أن الحقيقة المقلقة الآن هي أننا نشهد فرض حقائق جديدة على الأرض تقوض الشروط الموضوعية اللازمة للتوصل إلى حل الدولتين، وتضع المنطقة على طريق وجهة مختلفة تجعل من الصراع والحرب سمة مستقبل المنطقة، وهذا مستقبل لا يريده الفلسطينيون أو الإسرائيليون، مستقبل علينا جميع أن نحول دونه.